Tuesday, October 11, 2016

التشكيلي ابراهيم الصلحي

بقلم: مارك هدسون
ترجمة: موسى حامد
التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي "80" عاماً، أول فنّان إفريقي يعرض أعماله الفنية بصالة "تيت" الحديثة ببريطانيا، وهي أكبر وأعرق صالات العرض في العالم، ولا تُعرض فيها إلا أعمال كبار التشكيليين في العالم. "كنّا عشرة مسجونين في زنزانةٍ واحدةٍ، نتشاركُ جردلاً يفيض بالقذارة". قال الصلحي، ثم واصل: "بالرغم من أنّ الحبس الانفرادي كان عقوبة مَنْ يُقبض عليه متلبساً بحيازة ورقة؛ إلا أنني واصلتُ الرسم على قصاصات ورقيةٍ، كنتُ أخفيها بالدفن".
الصلحي الذي شغل في سبعينيات القرن الماضي، منصب وكيل وزارة الثقافة، وجد نفسه مسجوناً دون محاكمة، أو تهمة، وصف تلك التجربة بـ "المروّعة جداً"، ولكنه استدرك بأنّه استفاد منها كثيراً.
سندريلا الفن الحديث
بالرغم من أنّ الصلحي يعتبر الفن الحديث بمثابة السندريلا، بالمقارنة مع فنون العالم في القرن العشرين، إلا أنّ الغرب كان يُقابل الفن الإفريقي بالسُّخرية، بل ويعتبره فنّاً تقليدياً وليس حديثاً. ومن ثم ما كان يُقدّم لهم في قارتهم إفريقيا، إلا القليل من العون.
الفنان الصلحي كان يعتبر الفن الحديث بمثابة السندريلا، بالمقارنة مع فنون العالم في القرن العشرين، إلا أنّ الغرب كان يُقابل الفن الإفريقي بالسُّخرية
لكن الآن ومع تنامي الوعي بالفنون في إفريقيا، والاتصال بمشاهدة الفن المعاصر في جميع أنحاء العالم، فإنّ الوضع قد اختلف.
فقبل أسبوعين من الآن، فاز الفنان الإفريقي الأنتاسو بجائزة (أكاديمية تشارلز ولستون الملكي) ببريطانيا. كما افتتحت في (ويستْ إند) بلندن ثلاثة معارض للفن الإفريقي. لكن الأهم من ذلك هو مشاركة الأفارقة في قاليري تيت الحديثة، بعد سبعين عاماً من الغياب عنه.
علّق إبراهيم الصلحي، الذي يعدُ أول فنّانٍ إفريقي يعرض أعماله بصالة "تيت" الحديثة. على ذلك بقوله:" أنْ تأتي بعد هذا الغياب الطويل، فهو أمرٌ جميل".
تزيين ألواح الكتاب
ولد الصلحي، لأبٍ يُدرّس الدين، بمدارس أم درمان، وهي ثاني أكبر مدن السودان. بدأتْ أول علاقةٍ له بالفن عبر تزيين ألواح القرآن، في مدرسة والده القرآنية.
الصلحي كان معروفاً في تلك الفترة في الغرب كواحدٍ من الفنانين الأفارقة، مثله مثل الفنانين والكُتّاب الأفارقة أمثال: إيميه سيزار، ليوبولد سيدار سنغور
وبعد فشله في دراسة الطب، اتجه الصلحي لدراسةِ الآداب بكلية غردون التذكارية. "والتي سُميّتْ، وللسخرية، باسم الجنرال البريطاني البطل، الذي قتل على يد السودانيين".
وبمرور الزمن، حصل الصلحي على منحةٍ دراسية بمدرسة "سليد" للفنون بـ "لندن" في العام 1954م. بعدها صار مقتدراً في الرسم، وعلى دراية بتاريخ الفنون.
كان الصلحي معروفاً في تلك الفترة في الغرب كواحدٍ من الفنانين الأفارقة، مثله مثل الفنانين والكُتّاب الأفارقة أمثال: إيميه سيزار، ليوبولد سيدار سنغور، باعث (حركة الزنوجة).
التعرّف على الفنانين
في لندن أجاد الصلحي اكتشاف ذاته الفنية، وتعرّف على الفنانين الأوروبيين أمثال: سيزان، وغوته.
الطالب النيوزيلندي، بمدرسة الفنون، كان يقول للصلحي: " يا لك من زنجي دموي!!". إلاَّ أنهلم يكن يعره اهتماماً، لأنّ تلك التصرفات لم تُزعجه
وبالرغم من أنّ نعرة العنصرية لم تكن سائدة وقتها، إلا أنّ طالباً من نيوزيلندا، بمدرسة سيد للفنون، كان يقول لي: " يا لك من زنجي دموي!!". يقول الصلحي بأنّه لم يكن يعره اهتماماً، لأنّ مثل تلك التصرفات لم تكن تُزعجه.
كانت عودة الصلحي في العام 1957م من اللحظات المهمة في حياته.
يقول الصلحي: " نظّمتُ معرضاً فنياً في الخرطوم، فيه لوحات فنية لأشخاص عُراة، ولوحات أخرى لبعض مظاهر الحياة. لكن الناس جاءوا فقط لشرب المياه الغازية في يوم الافتتاح، وبعدها لم يأتِ أحد!!".
ويقول الصلحي، السبب أنّ السودان لم يشهد حدثاً مثل هذا من قبل. وبعد تنظيم معرضين آخرين، لم يشهدهما عدد كبير من الحضور، سأل الصلحي نفسه: "لماذا لا يُقبل النّاس مثل هذه المعارض؟ ولماذا لا يتمتعون بما أقوم به من أعمال فنية؟".
وهكذا بدأ الصلحي في البحث أجوبةٍ لهذه الأسئلة، وعن ما يمكن أن يجعل لوحاته مقبولة، وجاذبة للناس. 
زخارف إسلامية جاذبة
عينا الصلحي التقطتْ الخط العربي، والزخارف الإسلامية التي كان يراها في أكثر من مكان.
النهضة الفنية التي انتظمتْ إفريقيا القارة في تلك السنوات، من كتابٍ ورسّامين منطلقين من فنهم التقليدي المحلي، وبدأوا في خلق أشكال وعي، لعهدٍ جديد
؛؛؛
ويُضيف الصلحي: " بدأتُ في كتابة عباراتٍ باللغة العربية في زوايا لوحاتي، تماماً كما نرى في الطوابع البريدية".
ويتذكّر الصلحي: " بعدها أقبل الناس عليّ، حيث بدأتُ في كتابة بعض العبارات في زوايا لوحاتي، وبدأتُ أرسم أشكال الحيوانات والنبات. أحسستُ بهم يقتربون مني، وأحسستُ أني اكتشفتُ ما يُعطيهم معنى لأعمالي.
وأيقنتُ بعدها أني بدأت العمل الحقيقي، صورٌ خرجت للتو بروحٍ لم أعهدها في نفسي".
في العام 1961م، زار الصلحي نيجيريا، والتقى بالكاتبين: تشينوا أتشيبي، وولي سوينكا، وأصبح قريباً من النهضة الفنية التي انتظمتْ إفريقيا القارة في تلك السنوات، من كتابٍ ورسّامين منطلقين من فنهم التقليدي المحلي، وبدأوا في خلق أشكال وعي جديد، لعهدٍ جديد.
لقد كانت تلك هي لحظة الحداثة الكبرى لإفريقيا. وكانت اللحظة الكبرى الأخرى للصلحي بعد 26 عاماً من ذلك التاريخ، وذلك في احتفال إفريقيا في لندن. الذي حظي فيه باهتمامٍ عالمي متزايد للفن الإفريقي الحديث.
سجن بلا تهمة
شارك الصلحي أيضاً في مهرجان الفن الزنجي بداكار، وفي احتفال الـ "بان أفريكان" في الجزائر العاصمة.
النميري قام بسجن الصلحي، لاشتباهه في مشاركته ابن عمّه في محاولةٍ انقلابية فاشلةٍ. الصلحي قال بأنّه لم توجّه له أي تهمةٍ تبرر ذلك الاعتقال
تلك أحداث شكّلت معالم بارزة في تاريخ الثقافة الإفريقية. وشكّلت له معيناً في الفترة التي شغل فيها منصب وكيل وزارة الثقافة "1972-1977م"، في حكومة جعفر نميري.
والتي انتهت بسجنه، لاشتباهه في مشاركته ابن عمّه في محاولةٍ انقلابية فاشلةٍ. الصلحي قال بأنّه لم توجّه له أي تهمةٍ تبرر ذلك الاعتقال.
وكان إطلاق سراحه مفاجئاً، تماماً كما كان اعتقاله مفاجئاً. علّق الصلحي على تلك التجربة بقوله: "بدأتُ أشعرُ بفقداني الاتصال بالواقع".
بعد تجربة السجن، قَبِلَ الصلحي عرضاً من دولة قطر، لإنشاء وزارة الثقافة في العام 1977م. وعلى مدى 21 عاماً قضاها بقطر، لم يُخبر الصلحي أحداً بأنّه فنان.
في العام 1998م، انتقل إلى أكسفورد، مع زوجته الثانية "كاثرين"، عالمة الاجتماع البريطانية.
يقول الصلحي بأنّه، وإلى هذا اليوم، يقيس مدى نجاحه في الغرب بالحراك الذي تُحدثه أعماله في إفريقيا.
ثم واصل متنهداً: " دعني أعطك مثالاً على ذلك: في العام 2011م، ذهبتُ إلى الجزائر العاصمة، لافتتاح صالة عرضٍ حديثة، انتظرنا وانتظرنا. أخيراً أُخبرنا بأنّ المناسبة تم إلغاؤها، لأنّ وزراء ثقافة الدول الإفريقية لم يرغبوا في الحضور".
هذا ما استطعنا أن نصبر عليه، ومع ذلك استمررنا في العمل، والآن، أخيراً، وكأنّ باباً قد انفتح أمامنا".
* صحيفة القارديان
شبكة الشروق
https://youtu.be/vi7wNsm5f98

No comments:

Post a Comment

من هو الافضل للسودان

ويسألونك ..؟ محمد امين ابوالعواتك في اوقات الظلم وغياب السلم والامان والفقدان الموجع.. إن من يصنع الفرق هو كل من يوقد الامل وينشر شعاعه ويصن...

Search This Blog