Wednesday, October 28, 2015

تاريخنا وقصة جبل البركل العظيم

افتئ هذا الجبل المَهيب يُنبينا -كل يوم- بالجديد المثير!...
لنقرأ هذا المنقول قبل أن ندلف الى المراد:
جبل البركل هي التسمية العربية الحديثة لجبل مسطح صغير أشبة بالطاولة في الطرف الغربي لمدينة كريمة، السودان. منذ أزمان المملكة المصرية الحديثة (حوالي 1500 ق.م.)، علَّمت هذه الهضبة الصغيرة شديدة الانحدار الحد الجنوبي الأقصى للإمبراطورية المصرية في أفريقيا وكانت موقعاً لمدينة حدودية هامة سميت نبتة ( الخريطة). ومع أن هناك مخفر عسكري أمامي فرعوني آخر يقع أبعد بأعلى النيل في كرجس، بالقرب من الجندل الخامس، إلا أن نبتة كانت الإقامة المصرية الأقصى جنوباً والموقع الأبعد لقدسيتها الدينية.
لم تكن نبتة في الغالب، بموقعها على الضفة اليمنى للنيل بحوالي 40 كيلومتر أسفل الجندل الرابع، ذات أهمية ميناءً نهرياً، ذلك أن التيار هنا كان سريعاً للغاية بحيث يجعل الإبحار غير عملي. يبدو أن أهميتها تجسدت في موقعها عند نقطة العبور النهرية للطريق البرى الذى يربط منطقة الجندل السادس بالجندل الثالث. كانت ولا شك معبراً نهرياً ومحطة جمركية هامة، تجمعت فيها وخزنت البضائع الأفريقية المختلفة قبل الارتحال شمالاً إلى مصر.
مع الوقت، أخذت أهمية نبتة الإستراتيجية في التراجع أمام أهميتها الطقوسية، المشتقة من جبل البركل (الشكل 1 ) . سمى المصريون الصخرة دجو - وااب (الجبل الطاهر) وحددوه بوصفه مكان الإقامة للهيئة البدئية لإله دولتهم آمون الكرنكى، الذى سكن في طيبة، على بعد حوالي 1150 كيلو متر إلى الشمال من البركل. اللافت للنظر، أن المصريين تصوروا جبل البركل امتداداً بعيداً للكرنك واعتقدوا أن كلا الموقعين، البركل والكرنك، كانا بمثابة تجليين أحدهما للآخر. آمون الكرنكى، على سبيل المثال، سمي دوماً بـ "سيد تاجي الأرضين". لكن عندما اكتشف المصريون جبل البركل، قرروا، "قبل أن يصبح معروفاً لدى الناس"، أن اسم الجبل كان " تاجا الأرضين". بكلمات أخرى، نُظر للجبل بوصفه مصدراً لـ اللقب الأقدم للإله، ومصدراً لاسم الكرنك. هذا الاختراع التاريخى سمح للمصريين تعريف جبل البركل بالكرنك، وبالعكس، وان يتصوروا هذا التل البعيد في النوبة بوصفه المنزل الأصلي للإله، معلنين في الوقت نفسه أن الإله قد ظهر بداية في طيبة! حتى معابد الإله في الكرنك وفي نبتة حملت الاسم نفسه: ابيت- سوت ("مقدس التاجين")، مما سمح للخلط، لأغراض دينية، بين تلك المعابد. هذه الدوغما الجديدة ثبتت آمون بوصفه السيد المقدس لكل من النوبة العليا وكل الإمبراطورية المصرية النوبية، مع نبتة وطيبة بوصفهما قطبي عبادته. حتى اسم نبتة نفسه، واللقب المحلى لإلهها - "آمون النبتي" (امن نبت) - قد يكون استنبط ليشكل تلاعباً لفظياً مع الأسماء الأخرى الشائعة للإله الطيبى، مثل "آمون، سيد السماء" (امن نب- بت) و "آمون المقدس" (امن ابت). قد يكون ذلك ما عزز لاحقاً فكرة أن نبتة وطيبة، والآلهة العظام في كل منهما، كانوا في الواقع متطابقين.
اعتقد المصريون بأن آمون النبتي سكن في داخل الجبل، خلف المنحدر الصخري الشاهق، مخفياً عن الرؤية القاتلة. شيدوا كذلك معابده وأيضاً معابد الآلهة الآخرين المرتبطين به مباشرة أمام المنحدر الصخري الشاهق، مع محاورها متجهة إلى الجبل (الشكلان 2 و 3 ) . في الأزمان اللاحقة سيكون هناك معبدان كبيران شيدا أمام جبل البركل، الأول مكرس للهيئة الجنوبية لآمون ( B 500 ) والآخر لهيئته الشمالية ( B 800 ). الوضع نفسه يصح بالنسبة لطيبة، مع معبد الكرنك مكرساً للهيئة الشمالية، ومعبد الأقصر للهيئة الجنوبية.
سمة لافتة للانتباه في طبيعة آمون كانت هي قدرته على امتصاص هُويَّات وكينونات الآلهة الآخرين في كينونته، التى كانت "مختفية"؛ لاسم آمون عنى، في الواقع، "المختفي". وكما بدأ الصعود السياسي لطيبة، حتى في الأسرة الحادية عشر، تزايدت أهمية إلهها كذلك. عندما وحد الملوك، أبناؤه، مصر في المملكة المصرية الوسطى المبكرة، أصبح الإله آمون "ملك الآلهة". لم يعلو آمون على الآلهة العظام، لكنه أصبح هو ببساطة "هم"، مما نتج عنه ان كل واحد من الآلهة العظام نُظر إليه بوصفه واحداً من تجليات آمون. مع الوقت، بالتالي، نال آمون هوية وكينونة رع- آمون، الخالق البدئي واله الشمس الهليوبولسى. جعله هذا أباً للآلهة. عنى هذا، أيضاً، انه كان الشمس المؤلهة في كافة أشكاله الأخرى؛ رع، وخورآختى، وخبرى. امتزج آمون أيضاً بالمعبودين التناسليين مين وأوزريس، الهى الخصوبة والفيضان، واستولى على وظائفهما. كان آمون في ذات المظهر التناسلي (الفالوسى)، معروف باسم كاموتف، "ثور والدته"، مما يلمح إلى قدرته في إعادة خلق ذاته ابناً لنفسه الملك (الذى كان هو "الثور" (كا) والذات الإلهية "الثنائية" (كا). عندما يموت الملك، يمتزج مع الإله ليصبح بالتالي أباً لذاته (كا = "فالوس" = جداً أعلى)، تحبل به الإلهة موت ("الأم")، التى كانت زوجة للإله إلى جانب كونها "والدة" الملك المقدسة.
عادة يصور آمون بوصفه رجلاً، يلبس تنورة وتاجاً طويلاً بريشتين. وبالقدر نفسه يظهر متوجاً، في هيئة رجل محنط، بعضو تناسلي منتصب، الذى هو شكله بوصفه كاموتف. عندما اكتشف المصريون جبل البركل وربطوا الجبل بآمون، أخذوا في تصوير الأخير بطريقة ثالثة: كرجل برأس كبش (الشكل 4 ) . هناك الآن بينة آثارية متزايدة تشير إلى انه وقبل مجئ المصريين إلى هذه المنطقة، كان النوبيون يبجلون إلهاً بهُويًّة كبش. آخذين في الحسبان قدرة آمون على امتصاص كل الآلهة المصريين المهمين في كينونته الذاتية، فإن هيئة آمون برأس كبش تشير إلى أن المعبود الطيبى امتص في ذاته نظيره النوبي، الذى كان متطابقاً مع آمون في أزمان أسبق. باستثناء عصر إخناتون، عندما فرض الحظر على عبادة آمون، أصبح آمون الإله الشامل الذى تعبد فيه كافة الآلهة، أصبح جبل البركل أحد أهم مراكز عبادته. في الأزمان الإغريقية الرومانية، عد آمون ببساطة شكلاً من أشكال زيوس- جوبيتر، ونسبت الأساطير حينها انه والآلهة الآخرون قاموا بزيارات متكررة للنوبة، حيث يقال بأن الخلق قد تمَّ هناك وحيث أن الرجال كانوا هم الأوائل الذين تعلموا تبجيل الإله.
احتمالاً في وقت سابق لتعرف المصريين على جبل البركل، كان النوبيون، أيضاً، قد عدوا المكان مقدساً. رغم انه لم يتم الكشف بعد عن آثار إقامة أو بقايا طقوسية في المرحلة السابقة لوصول المصريين، فإن الفخار النوبي الذى يعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث، وعصر ما قبل كرمة، وعصر كرمة قد تمَّ الكشف عنه في طبقات غير مثبتة ستراتيجرافيا. يشير هذا إلى أن الموقع لا بدَّ وانه كان مأهولاً على الأقل منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد. الكشف في قمة جبل البركل عن الآلاف من الرقائق الحجرية المهشمة، والمصنوعة من نوع حجارة لا يمكن الحصول عليها إلا من سطح الصحراء، يشير إلى أن الناسيس جلبوا الحجارة إلى القمة لتصنيعها، وهو نشاط قد يحتوى على حافز ديني. بالمثل، التشابه بين المعبد في البركل، كما يظهر في المرحلتين المصرية والكوشية، وفي مرحلة كرمة، كما ظهرت في نهاية طور كرمة الكلاسيكي، قد يشير إلى وجود علاقة طقوسية فيما قبل وصول المصريين بين جبل البركل و"الدفوفة الغربية" في كرمة. توجد على الأقل إمكانية أن الأخيرة، مستطيل مسطح شبه جبلي يبلغ ارتفاعه 19 متر ومشيد بالطوب، قد شيدت في كرمة بديلاً سحرياً أو "نظيراً ثانياً" لجبل البركل. على كلٍ، فقد تم تشييد مركب للمعابد أمام بعضها البعض، ونُظر لكل واحد منها مكاناً لإله قوى.
ليس من شك في أن المصريين، واحتمالا النوبيين المبكرين، ألصقوا أهمية مقدسة بجبل البركل نسبة لشكله الشاذ. لم يكن التل منعزلاً فحسب في وسط صحراء مسطحة وتميز بمنحدر صخري شاهق، يبلغ ارتفاعه 90 متراً و 200 متراً في الطول، ولكن ركنه الجنوبي الغربي عُلمَّ ببرج هائل يقف منفصلاً، يبلغ حوالي 75 متراً في الارتفاع ( شكل 5 ) . هذا الحجر الضخم الواقف على شكل عمود أو مسلة (منليث) يحمل مظهر تمثال، لكن بلا شكل محدد، وقد يجوز تخيل أنه بالفعل كذلك. من جانب، يمكن النظر إليه بوصفه تمثالاً لملك أو إله واقف، يلبس التاج الأبيض. ويمكن النظر إليه عضواً تناسلياً (فالوس) منتصباً. ويمكن أيضاً النظر إليه كوبرا منتصبة عمودياً (صلاً) يضع التاج الأبيض على رأسه. تكشف الوثائق القديمة، المكتوب منها والمصور، أن الصخرة قد تمََ تخيلها بكل تلك الصور التى أوردناها ومن ثم قدست مصدراً لقوة إلهية لكل ما تمثله من أشياء مختلفة. كشكل إنساني يلبس تاجاً، فإنها قد تمثل الملك الحي أو السلف الملكي الأبعد، أو الإله نفسه. كعضو تناسلي، يمثل آمون بوصفه أباً مُنجباً. كصلٍ، يمثل القدرة الخلاقة لأية ولكل إلهة ولكل أنثى. كانت الصخرة بالتالي أباً، وأماً، وطفلاً ملكياً ممتزجة في كل واحد - الذى يعنى ظاهرياً المعنى الفعلي لـ "كاموتف". أكدَّ جبل البركل، عن طريق برجه الصخرة الواقف على شكل عمود أو مسلة، ليس فحسب وجود آمون، بل انه يمتلك بالفعل شكل التل البدئي للتقليد المصري، الذى ينظر فيه للخالق وقد ظهر في بداية الزمن وولد الآلهة الأول عن طريق العادة السرية.
حتى يومنا هذا، فإن الحجارة الطبيعية، ذات الشكل الأشبه بالعضو التناسلي، تتم مطابقتها لدى شعوب السودان الوثنية التقليدية بالثعابين وبالأسلاف وتعبد كمصادر للطاقة الاستيلادية. كان جبل البركل بالتحديد مكاناً مثل هذا، ولا بدَّ وان يكون الحجم الهائل لصخرته الواقفة على شكل عمود أو مسلة قد قبع في أساس تحوله إلى مركز رئيس ومؤثر في الطقوس الوثنية، احتمالا منذ الأزمان ما قبل التاريخية. ولا بدَّ وان المصريين كانوا قد تقبلوا أولوية الموقع وأقدميته، ذلك أنهم جعلوا آمون هذا المكان "الإله العظيم لكل العصور، الواحد البدئي".
لاحظ الرحالة الأوربيون جبل البركل للمرة الأولى في عام 1820 وتعرفوا بطريقة صحيحة على الأطلال المحيطة به بوصفها أطلال نبتة القديمة، والتي كانت عالقة في الذاكرة حينها عن طريق النصوص الكلاسيكية بوصفها كانت موضوعاً للحملة الرومانية في عام 24 ق.م. في العقود اللاحقة، زار رحالة آخرون الموقع وقدموا وصفاً له وجلبوا تماثيل وآثاراً منقوشة بالكتابات من هنا للمتاحف في القاهرة، ولندن، وبرلين. مسلة النصر العظيم للملك بيَّا، والتي وجدت هنا في عام 1862، أثارت زوبعة عندما ترجمت للمرة الأولى، وحفزت فيردى لوضع اوبرا " عايدة" في عام 1874. إلى جانب تأكيد هذه المسلة على حقيقة احتلال الملوك "الإثيوبيين" (الكوشيين) لمصر في القرن الثامن ق.م.، فقد كشفت أربع مسلات أخرى وجدت معها عن انه وفي منتصف الألفية الأولى السابقة للميلاد، ظلت نبته وجبل البركل مركزاً رئيساً للعبادة وللتتويج في مملكة كوش المستقلة.
هكذا ظل الحال إلى الأعوام 1916 حتى 1920، حينها بدأت أولى أعمال التنقيب العلمية في جبل البركل. دعمت تلك الأعمال بالتمويل المادي من جامعة هارفارد ومتحف بوسطن للفنون الجميلة، وأشرف عليها جورج ريزنر (الشكل 6). بعد التنقيب في خمسة وعشرين مدفناً هرمياً صغيراً إلى الغرب من الجبل، عمل ريزنر في مركب المعابد، وكشف عن سبعة معابد وقصرين، كاشفاً عن المزيد من النقوش التاريخية والتماثيل الأكثر أهمية (الشكل 7). في وقت متزامن نقب ريزنر في جبانتين قريبتين، الكرو ونورى. وجد في هاتين الجبانتين الأخيرتين، مدافن الملوك الخمسة الذين حكموا مصر وأسسوا أسرتها الخامسة والعشرين، إلى جانب مدافن ملكاتهم، وأسلافهم والتي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع ق.م. وخلفائهم إلى القرن الثالث. وفي عام 1920 وسع ريزنر أعماله أبعد إلى الجنوب إلى مروى (البجراوية- المترجم)، ونقب كل الأهرام في محاولته تتبع الأسماء غير المعروفة والتواترات للحكام الكوشيين حتى نهاية القرن الميلادي الرابع. لقد كان ذلك العمل واحد من أعظم الإنجازات في مجال علم الآثار الحديث.
مع أن ريزنر اكتشف القليل من مسلات المملكة الحديثة وتماثيلها في جبل البركل، فإن بقايا المعابد الفرعونية لم تبق باستثناء أساسات بعض مباني المعابد الفرعونية. الجزء الأعظم مما تبقى من أطلال في الموقع يرجع إلى الفترة ما بعد منتصف القرن الثامن ق.م.، وهو الوقت الذى أصبحت فيه نبتة المركز الديني الرئيس للدولة السودانوية التى نعرف شيئاً عنها. على مدى ستة عقود (تقريباً 712 - 661 ق.م.) فرضت كوش حكمها على مصر، ويصبح الآن أكثر وضوحاً أنه، رغم أن الكوشيين ما كانوا من أصول مصرية، إلا أنهم كانوا قادرين على تبرير ادعاءاتهم على العرش المصري عن طريق العلاقات الطقوسية التى وجدت بين الكرنك وجبل البركل خلال المملكة الحديثة. علينا أن نتشكك حالياً عما إذا كان "تمصير" الملوك الكوشيين وتوحيدهم المبدئي لمصر العليا والنوبة بفعل خطط مبرمجة إلى حد بعيد مع كهنة آمون. أهدافهم لا بد وأنها كانت، تحقيق إعادة التوحد، بعد ثلاثة قرون، ليس فقط بين موقعين مقدسين لإله لكن لمجمل إمبراطوريته الجنوبية. ثانياً؛ أنهم سعوا إلى استعادة " الملكية الحقيقية لمصر العليا" والتي اختفت بعد الأسرة 20. وثالثاً، أنهم سعوا إلى استعادة أيام مجد المملكة الحديثة.
الحكم الكوشي ما قدر له أن يدوم. في عام 661 ق.م.، دحر الكوشيون عن مصر، بعيداً إلى موطنهم، من جانب الغزاة الآشوريين. باستقرارهم في خاتمة المطاف في مروى، إلى الجنوب الشرقي من نبتة، ثبتوا مملكتهم في الجنوب البعيد، على مدى ألفية لاحقة. خلال معظم هذا الامتداد الزمني، على كلٍ، بخاصة خلال العصر النبتي (حوالي 661- 280 ق.م.)، ظل جبل البركل المركز الديني الأساسي للمملكة، ومن نبتي ادعى الملوك شرعيتهم في الحكم. هناك نفذ الحكام مشاريعهم المعمارية والتي استمرت على الأقل حتى القرن الميلادي الأول. كان معبد آمون احتمالاً هو الحافظ دوماً للمعرفة، والأدب الديني والتوثيق التاريخى. كما و لا بدَّ انه كان المتحف القومي للمملكة، ملئ بما يحتويه من تماثيل، وآثار، ونقوش بارزة تصور التاريخ المحتفي به لكوش ويربطها مباشرة بالمراحل المبكرة لفراعنة المملكة الحديثة، الذين عدهم الحكام الكوشيون "أسلافاً" لهم.
على امتداد تاريخ كوش، يبدو أن جبل البركل كان المركز الرئيس للتتويج الملكي والطقوس الملوكية. لقرون حضر كل ملك جديد لكوش إلى جبل البركل لتعزيز شرعيته وتتويجه عن طريق الإله الذى يسكن داخل الجبل، كما فعل بالتحديد الملوك في عصر المملكة الحديثة. على امتداد فترة حكمه قام كل ملك كوشي باستشارة الوحي الإلهي في شئون الدولة وإدارة الحرب. حتى وقت مبكر من القرن الثالث ق.م. يقال بأن الوحي نفسه كان يقوم بإخطار الملك عن طريق رسالة بموعد انتهاء فترة حكمه، مصدراً الأمر له بتنفيذ الانتحار. هذا التقليد تمَّ إلغاءه عن طريق الملك ارجمنيس (أركامانى)، الذى أخذ الأمر بيديه عندما صدر له الأمر بالانتحار، فقاد قواته إلى المعبد وقتل الكهنة. صحة هذا التقليد تشير إليها حقيقة انه حتى القرن الثالث ق.م.، سافر الملوك مسافة 230 كيلومتر من مروى إلى نبتة ليدفنوا في أهرام شيدت لهم عبر النهر بمواجه جبل البركل في نورى (الشكل 8). آخذين في الحسبان وجود معبد في الوادي، غالباً لغرض التحنيط، يجوز للمرء أن يفترض أن معظم الملوك قاموا بالرحلة إلى الجبانة وهم لازالوا أحياءً.
في عام 24 ق.م.، هوجمت نبتة، ودمرت، و"سويت بالأرض" عن طريق الجيش الرومانى. يبدو ان هذا الحدث هو الذى حث على آخر عملية ترميم لمعابد البركل عن طريق الثنائي الملكي المروى نتكامانى وأمانى تارى في القرن الميلادي الأول. المؤسف انه بعد حكمهما الثنائي، فإننا لا نعرف شيئاً عن الموقع أو استخدامه المستمر. تاريخ الموقع في العصرين المروى المتأخر وما بعد المروى (حوالي 100- 600 ميلادية) غامض. بعد تأسيس المملكة الدنقلاوية المسيحية المغرة، ضمت نبتة القديمة ومعابد جبل البركل إلى قرية مسيحية.

No comments:

Post a Comment

من هو الافضل للسودان

ويسألونك ..؟ محمد امين ابوالعواتك في اوقات الظلم وغياب السلم والامان والفقدان الموجع.. إن من يصنع الفرق هو كل من يوقد الامل وينشر شعاعه ويصن...

Search This Blog